——————
إقتربنا من البيت .والدى بدا من بعيد وهو يذرع الباحة المطلة على الطريق .كأنه لا يوافق على مشوارنا هذا .بالنسبة لي كان القصد منه أن أضع الحاج مبروك بين دائرتين.أيهما أصلح بالبقاء..دائرة المدينة التى دخلتها خجلا وخرجة منها قانعا بحياة الريف .مدينة يحيط بها الزيف .الموت يسري في كل شيء.في الشوارع ثمة مصيدة للموت .في الطرقات منصات الموت تعلو ابراجها .على الشاطئ الممتد حتى نهاية الافق الموت يزحف مع الموج ويرتد كما هي دروب العالم الفاضي .
والدي مازال يذرع الباحة جيئة وذهابا قلقا الى حد كبير .لكنه لم يفاجئنا حين وقفنا عليه .أكتفى بالقول .لا ثقة في الوقت .الطقس ربما يتغير في كل دقيقة وأنتم هائمين في ملكوت الله .ثم ألتفت الي .هل مررت به على مغارة سي خليفه .ثم صار يضحك وهو يقول .أنظر إليه لقد نجا من الموت بقدرة قادر .كنا شبابا حين لجأنا إلى المغارة هربا من القيض الذي أحاط بنا ذات عام .وغلب علينا النعاس مع لطافة الجو داخل المغارة .وحين استيقظنا رأينا ثعبانا كبير يتربص بنا عند المدخل .خطرة لنا فكرة ان نباغثه بأن نرشه بالرمل حتى انسحب قافلا الى أعلى واسرعنا نحن بالهرب .
ضحك الحاج مع ذكرى الموت الذى انتصروا عليه .ثم قال لوالدي نسيت الكرمة ياحاج .لماذا لم تسألنا عنها أم تراك نسيتها فعلا .دعانا للدخول إلى السقيفة وعند الجلوس أخرج زفرة حارة .هل تعلم ياحاج مبروك أن هذه الكرمة بالذات نجت من الموت طوال هذه السنين .داهمها المحراث ذات عام .أقتلع جذورها ظنناها قد اختفت إلى الأبد ومع موسم الربيع فقعت من جديد .غزتها فلول الماعز اكثر من مرة لكنها تقوم بعد كل موتة صغرى .هذه الكرمة عجيبة .وثمارها لها طعم لا يشبهه طعم في البادية كلها .أنها ليست مجرد شجرة .هي تاريخ عاصر نضالاتنا حتى الان .الارض التى نبكي عليها ومن أجلها لا تخذلنا مهما تخلت عنا الظروف وتحالفت مع الزمن ضدنا .
جلبت لنا أمي كأس اللبن وخبز التنور .أبتسم الحاج وقال .اللي ضاق خبز المدينة ماعاد يالف بوادي .لم يذق منه شيئا نهض بقفزة سريعة وهو يردد .لن اتحالف ضد نفسي مع هذا المثل .آنا عائد إلى بيتي القديم من جديد .هيئوا موقد الشاي .
————————-
على غالب الترهوني
بقلمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.