"
الكثيرون منا قد يجدون في ذكر الموت فائلاً غير حسن ، علماً أن الموت هو الحقيقية الوحيدة المؤكدة بعد "لا إله إلا الله" ، والعقلاء يرددون هذه المقولة دائماً "تذكروا هادم اللذات ومفرق الجماعات ، مخرب القصور ومعمر القبور" ، حتى لا تأخذهم الدنيا وينسون وجود الموت فلا يظلمون أحد ، وأنا تعرفت على الموت منذ كنت صبي في عمر 18 عام ، عندما دخل الموت في حياتي وأخذ من الحياة أمي وأبي ، ولسنوت كنت أبحث عن إجابة لسؤال أين ذهبت أمي وأبي ، فظل السؤال يلازمني مع صغر سني وعقلي ، وقرأت عشرات الكتب عن الموت والرحيل من الدنيا ، ولما نضجت عمراً وعقلاً أستقر بعقلي أن هذه دنيا ، الحياة فيها مؤقتة وهي دار إنتقال إلى المكان الذي أُنزل منه أبانا وأمنا بالمعصية والأكل من الشجرة ، وأن الإحسان في هذه الدنيا ثمن للعودة لجنة ربنا ، جنة غير جنة التجربة التى نُزل منها الأباء ، هذه العودة تكون لجنة الخلد والنعيم الذي لا يزول ولا يحول ، لذلك فالدنيا إذا حلت أوحلت وإذا كست أوكست ، حتى إستقر في قلبي وعقلي أن أمي في مكان أفضل من هذه الدنيا ، وبالأمس رأيت على التليفزون المصري مقابلة مع رجل فلسطيني في سوق غزة في مدينة العريش المصرية ، وسوق غزة موجود في القاهرة وفي الكثير من محافظات مصر ، وهذا الرجل يأتي ببضاعة من غزة لتاجر في العريش ويأخذ بضاعة من العريش لغزة ، وقد خرج الرجل من غزة يوم 6 أكتوبر 2023 وأتصل ببيته في غرة عندما بدأ الضرب في اليوم الثاني وأغلق المعبر ، ظل بالعريش وظل يتصل ببيته حتى أُخبر أن بيته قد تهدم نتيجة القصف الإسرائيلي على كل من فيه من زوجة وأبناء وأحفاد ، وبكى ففي هذه اللحظات شعرت بما هو يعانية ، وسألت نفسي هل الموت بهذه البساطة عائلة تنتهي في لحظة ، وعلمت أن سيارة معونات أنقلبت بعد عبورها معبر رفح في الطريق لأهلنا في غزة ، وكانت تحتوي على أكفان وسألت فعلمت أن كثرة أعداد الموتى جعل أهلنا في غزة تطلب أكفان ، هنا فتحت خزاتة ملابسي ففي الخزانة وضعت منذ شبابي ما سيكون كفني عندما يأذن ربي ، فأنا منذ شبابي في كل حجة أو عمرة كنت بعد الحج أو العمرة ، أطلب من الأوتيل أن يغسل إحراماتي وتأتي لي في كيس بلاستيك ، فأخذها إلى الكعبة وأغمرها في ماء زمزم وأتركها حتى تجف وأضعها في شنطة سفري ، عديد من هذه الإحرامات عندي حججت أو إعتمرت بها ، وقلت لمن حولي ولأخواتي ، إذا حان أجلي أُكفن ببعض هذه الإحرامات ويبقى الأخرين لورثتي ، لذلك لما تعدد فضل الله عليَ وحججت وأعتمرت مرات كنت أحج أو أعتمر بنفس الإحرامات السابقة التى غمرت بماء زمزم وأعيدها كما سبق الفعل بها ، والحمد لله رب العالمين ونسأل الله أن يحسن ختامنا.
♠ ♠ ♠ ا.د/ محمد موسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.