=======
قد تجبر ظروف الحياة بعض الأزواج إلى السفر للعمل في الخارج، ويترك زوجته وأولاده في وطنه، ويرسل لهم الأموال التي يحتاجونها، وينزل أجازات قصيرة كل سنة، يجلب لأولاده كل الهدايا التي يحبونها، ويقضي معهم أوقاتا سعيدة قد تفرحه وتفرحهم، ويمر العام وراء العام ، وهو في بلاد الغربة، يتحمل الصعاب من أجل إسعاد أولاده وتلبية كل متطلباتهم، وفجأة تضعف قواه ولا يتحمل نار الغربة، فيقرر الرجوع إلى وطنه، وأهله وزوجته وأولاده، الذين تركهم صغارا، فيجدهم قد صاروا كبارا لا تلفت انتباههم الحلوى التي كان يجلبها لهم، تغير تفكيرهم، فأصبحت لهم اهتمامات أخرى، حاول أن يقترب منهم ويقتربون منه فباءت محاولاته بالفشل، لأنه لا يعرفهم ولا هم يعرفونه فالأجازات القصيرة لم تكن كافية، لإشباعهم من حنانه، فقد صار بالنسبة لهم بنكا يسحبون منه ما يحتاجون من النقود
وهنا تبدأ الصدمة، حيث يكتشف أن ما أنفقه من عمره لأجلهم، ضاع هباء، فقد جنى لهم الأموال، لكنه لم يجن لهم ولا له السعادة، فقد افتقدوا حنانه ووجوده معهم في كل لحظة من لحظات عمرهم، فلم يأخذهم يوما إلى المدرسة، ولم يشاركهم حفلات تخرجهم، ولم يكن معهم إذا مرضوا، فدائما يرون أصحابهم وهم يخرجون مع آبائهم ويتمنون أن يكونوا مثلهم، ولم يلعب معهم ويلعبون معه، فهو لم يشاركهم تفاصيل حياتهم وهم لم يشاركوه تفاصيل حياته
وقتها سيندم على هذه السنوات التي قضاها وهو بعيد عنهم، ويتمنى أن رجع به الزمن، فلا يفارقهم أبدا
لذلك أقول لك إن كنت زوجا قرر السفر، أن تراجع نفسك ألف مرة قبل اتخاذ هذا القرار، لأن للغربة فاتورة تدفع أنت أولا حسابها من عمرك الذي يمر من أمامك دون أن تشعر بلذة الجو الأسري...
وتدفع أيضا الزوجة الفاتورة، لكن فاتورتها قد تكون أكبر، لأنها قامت بدور الأب والأم معا . وهذه معادلة صعبة جدا، قد تنجح فيها وقد تفشل، حسب قدرتها وطاقتها
كما أنها قد تعاني الأمرين من هذا الوضع الذي فرض عليها، لأنها قد تتعرض لكثرة الفتن، التي قد تنجو منها أو قد تقع فريسة لذوي الأطماع الرخيصة...
ويدفع الفاتورة أيضا الأولاد، الذين لم ينعموا أبدا بالاستقرار، حيث فقدوا حنان الأب ونعمة وجوده بينهم وحلت محله مجموعة من المكالمات الصوتية أو المرئية التي لم تكن أبدا كافية لاحتوائهم وغمرهم بالحب والدفء والحنان...
وقد يدفع الفاتورة أيضا الوالدين، الذين تعبوا في تربية ابنهم وزوجوه، ثم يسافر عنهم، فلا يكون سندًا لهم عندما يكبرون، وأحيانا قد يتوفى أحدهما أو كلاهما فلا يستطيع رؤيتهما...
لذلك إن وجدت عملا في بلدك وسط أهلك فهذا خير لك ولهم، لكن إن فرضت عليك الحياة السفر، فلابد أن يكون من ضمن حساباتك أن تكون زوجتك وأولادك معك، يعيشون معك على الحلوة والمرة، حتى وإن كلفك ذلك مصاريف أكثر، فالمال قد يأتي غيره، لكن هناك أشياء إن ذهبت لن تأتي أبدا .
هدى منصور
مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.