من خلف تلك النافذة الغربية للبيت الصغير القابع أعلى سفوح الجبل الاخضر ، كانت تقف السيدة إثراء تراقب اللوحة البديعة لسماء التقت ببحر في الأفق البعيد والشمس رسمت بريشتها الساحرة خيالات قرمزية مكملة اللوحة بجمال آسر .
الشارع ينحدر أسفل النافذة وكأنه ثعبان يتلوى ليصل لفريسته بخفة وهدوء من بين الأشجار الخضراءالباسقة المترامية على أطراف الطريق
كانت ضحكاتهما تصل لمسامعها ، أصوات شابة مليئة بالحياة الحب والحيوية في تلك الأمسية الربيعة الجميلة .
من أسفل الشارع كان المعطف الأحمر الذي تتدثر به الشابة يظهر ويختفي كورود مزهرة على أغصان الشجر أثناء ارتقاءهما الشارع للأعلى باتجاه ساحة البلدة
دفعها الفضول لملاحقتهما بعينيها المتعبتين فقد أيقظت ضحكاتهما فيها روح الشباب الذاوي
كانا ثنائي مميز هو بطوله اللافت ، وهي برقتها ونعموتها وكلما اقتربا صعودا ظهرت ملامحهما بوضوح أكبر ...
سرحت في ذكرى زوجها الراحل لم تمضِ شهور عديدة على رحيله ولكن بالنسبة لها وكأن دهرا مضى على رحيله
كان الحبيب والصديق لطالما مشيا على هذا الطريق وهما يبنيان أحلامهما معا .
كان يشير دائما لقمة المنحدر ويقول لها : سأبني بيت لك هنا نعيش عمرنا كله بين السماء والأرض سنعيش جنتنا ولن يعكر صفونا أحد .
ولقد صدق كان هذا بيت محبتهما ، ولطالما حاول أولادهما اقناعهما بتغيره أو على الأقل السكن بالمدينة
وابقاء هذا البيت للعطلات لكن كانا يرفضان مغادرته بشدة كان حلمهما الجميل الذي عاشاه معا لسنين طوال...
اقتربت الأصوات السعيدة الضاحكة من بيتها مما شد انتباهها مرة أخرى
فقد جلس الشابان على درجات بيتها الأمامية
- ووصل لسمعها صوته وهو يقول : ما رأيك أن أشتري هذا البيت الجميل ليكن بيت أحلامنا
- ردت الشابة ببراءة : لا يا عزيزي إنه بعيد عن المدينة وعن أهلنا وأصحابنا وصخب المدينة وحياتها المثيرة ...
فتحت السيدة إثراء باب البيت مستندة على عكازها الخشبي وهي تشد بإحكام شالها الصوفي على كتفيها
كان الشاب يحتضن يد الشابة وينظر في عينيها بكل رجاء آملا أن يجمعهما حلمًا واحدًا هو مستقبلهما معا
تفاجاءا بصوت فتح الباب
فقاما بسرعة معتذرين للسيدة صاحبة المنزل ازعاجها .
- لا عليكما ردت السيدة إثراء
-فبادر الشاب بسؤاله عن امكانية شراءه للبيت وعن ثمنه بينما حاولت الشابة مقاطعته بقولها : لا إنه يمزح فقط
إنه بيت جميل لكننا لسنا مهتمين بالسكن هنا بعيدًا عن المدينة .
وبينما كان الشاب يحاول نهرها بلطف عن مقاطعته ...
قالت السيدة إثراء بصوتها الرخيم : بيت المحبة لا يجمع إلا من تناغمت أحلامهما ،آسفة يا أولادي هذا البيت ليس للبيع فقيمته لا تماثلها أموال الدنيا كلها .
مضى الشابان وقد خفتت ضحكاتهما وكأنه قد بات كل منهما يمشي خطواته في أحلامه الخاصة بعيدًا عن الآخر
أما السيدة إثراء فقد التفتت لصورة زوجها الراحل المعلقة في غرفة المعيشة وهمست شاكرة له لأنه جعل من أحلامهما واقعًا ما زالت تعيشه حتى بعد مغادرته لحياتها.
ناهد الاسطة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.